الفصـل الخامس عشـر:
ما راغب في الكون سـواكِ.. فما هو الكون بدون هواكِ؟
كانت تستكين بين أحضانه الدافئة، تغمر فيها روحها الخائفة فهي لحتي اللحظة لا تستوعب انها كادت تعود الي جحيمها من جديد.. او تستوعب انها نجت منه ايضًا، كل ما حدث بتلك السويعات القليلة عقلها الخائف لم يصدقه بعد.. وضعها علي الفراش وكاد ينهض، ليتركها ترتاح ويبقي هو منفردًا بذاته يعذبها قليلًا ويؤنب ضميره لكنها لم تسمح، بل تمسكت فيه بشدة دافنة نفسها بين ذراعيه.. هامسة بخفوت شديد:-
_أرجوك متسبنيش.. انا خايفة
وهو ما أراد الذهاب بالأساس.. وترك الجنة التي تتمثل بين ذراعيها، لـذا حقق رجائها واستـراح علي فراشه بجوارها.. يشـدد من ضمه لها وهمسه بكلمات الامان، دقائق حتي غفت ودقائق حتي لحقها هو.. يرغب بالهرب قليلًا من افكاره الشيطانية التي تتدافع داخله وكلها تدور حول
كيف ينتقم من رشوان؟
ويرد له الصاع.. صاعين..
*****
أحتضن عدي.. يامن بأشتيـاق بادله الاخر ايـاه قبل ان تتدخل نغم وتبعد ما بينهما هاتفة بتزمر:-
_خدوني وسطيكم.. انا عاطف معاكم هنا
ضحكا الاثنان قبل ان يضرباها علي رأسها بخفة وثم يقربوها منهم محتضنين ايها بحنان جارف تحت انظار زهراء التي تنظر الي ذلك المشهد بعاطفة جياشة وحزن، كان لها اخوة ك تلك قبل ان تفرق بينهم الايام..
تنهدت بوجع تنهيدة عميقة وزفرتها علي مهل بأرق، انتبه له عدي الذي ابتعد عن اشقائه واقترب منها ليحتضنها هامسًا بخفوت وهو يشعر بما يكبل سعادتها ويحزن قلبها:-
_حبيني.. وسيبيني اعوضك يازهراء
نظرت له لـ لحظات قبل ان تهمس:-
_لسة لحديثنا بقية.. لو اقنعتني انك برئ من دم عصام
صمتت ونظرت له بأيحاء
فقال بتصميم.. فهو لم يعد يطيق بعدها او نفورها منه:-
_دلوقتي الوقت اتأخر، بكرة.. وعد.. هقولك كل حاجة
اؤمات بنعم وطلبت منه ان يساعدها لـ الصعود لـ الاعلي، فهما قد هبطا سريعًا بحثًا عن نغم التي لحظات ووجودها اتيـة بيامن الذي انشغل في السلام عليه ناسيًا ان يسأل كيف جاء ومتي تقابلا!
وعلي بُعد خطوات منهم، كانت الاخوة تتحاربا حيث:-
هتف يامن بنبرة متعصبة قليلًا:-
_انتي مجنونة؟ عاملة فيها فاندام ورايحة تقفي قدام تلت رجالة! باين عليهم الاجرام
هتفت مبـررة:-
_اومال اسيبهم يخطفوا البنت؟
انفرجت شفتاه ضاحكة بسخرية و:-
_لا.. تروحي بطولك علشان تتخطفي معاها وبدل الخسارة تبقي اتنين
قال اخر كلمة بوجع لم تنتبه له وهو يتخيل ماذا ان فلحا في خطف نازلي وماذا ان فلحا بالفعل في خطف نغم معها؟! التخيل لوحده أرعبه!
نغم وهي تكتف ذراعيها امام صدرها بضيق:-
_مكنش في وقت اطلب مساعدة طيب! انا اول ما لمحتهم ماشيين بيها جريت وراهم علطول، ملقيتش حد اطلب منه مساعدة علشان كانوا مشغولين في الخناقة
اؤما بتفهم.. يدرك ان روحها الطيبة التي لا تسمح بأذي غيرها وان كان غيرها هذا خاطف حبها هي سبب تعجلها وعدم تفكيرها السليم..
حرك يداه بين خصلاتها بحنان و:-
_خلاص حصل خير، وكويس انك مدربة علي الدفاع عن النفس كويس.. بس متتكررش تاني يانغم.. ياريت
اؤمات بحسنًا فـ مال ليصل لطولها قليلًا مقبلًا جبينها بحب..
*****
صبـاح يوم جديد.. غائم علي رشوان البـاذ، الذي ما ذاق طعم النوم منذ الأمـس، فها هو يجلس علي مقعده يتطلع الي الامام بعيون شاردة.. محمرة من ارهاقه وغضبه، فأن يمسكها بين يديه وتفر من جديد اصعب من عدم وصولها ليديه من الاساس..
يفكر.. هل خسرها فعلًا؟
لن يعد يمكنه الحصول عليها! زوجها ذاك ستكون ملكه للأبد؟
عندما وصل به التفكير الي هنا نهض بغضب صارخًا بعنف نافيًا تلك الحقيقة الموجعة له، قافذًا ما علي مكتبه او ما تبقي من علي مكتبه علي الارض، ليبقي متحطمًا جوار ما سبقها من اثريات كسرها طوال الساعات الماضية لينفذ من خلالها عن غضبه.. غضب حارق اذا توزع علي العالم لكفي بأحراقه وأحراق ما يجاوره..
وجد أتصـال من ذاك الذي عُرف بحسان، تطلع الي اسمه لثوان بعد خوف ك كل مرة بل بغضب فهو ايضًا كان يريد الحصول عليها وابعاده عنها، قبل ان يلقي الهاتف علي الحائط بقوة مرددًا:-
_لا انت ولا هو هياخدها.. هي ليا.. ليا وبس
تطلع للامام بشرود وكأنه يتخيل نزار امامه و:-
_بيني وبينك زمن طويل وهتشوف انها هتكون ليا
وتعالي صوته ينادي علي دياب، الذي دخل بملامح غير ظاهرة من كثرة ما تعرض له من تعنيف، لم يقتله.. فهو لا يستطيع رغم كل تهديداته ان يستغني عنه لكنه جعله يري ما يعادل الموت وأكثر.. من الآم وأوجـاع..
_اتصلـي بزياد وقوله يرجع حالًا
سيجعله يعينه في ارجاعها وإن لم يفعل، فوجوده بجواره يكفي.. هو لم يعد يستطيع ان يتقبل بُعد الاثنان عنه.. اثنان يراهم هم محور حياته
*****
أول خطوة لتدمير العدوء.. أضعافه.. فـ كسره عن طريق أيلام احبابه.. ثم بالنهاية إن كان هناك عازه ارهبه بإظهار قوتك
لـذا، ها هو نزار يحادث عماد امرًا ايـاه:-
_مفيش شغل يدخل لرشوان جديد، مليش فيه ازاي ياعماد.. اشتري محبتهم بالفلوس.. رشوة، بأي طريقة
صمت لحظات يستمع لعماد قبل ان يزفر هاتفًا:-
_واي شغل معاه حاليًا لو تقدر تخربه.. خربه، واول ما ينزل سعر الاسهم اشتري، عايزك تلم علي قد ما تقدر، واللي يبيع نصيبه من مجموعته اشتريه..
صمت لـ لحظات ثم تابع:-
_ياسيدي انا عايز اخسر ملكش فيه، المهم يتجاب الارض.. عايز الدنيا تقوم عليه، قول لحبايبه نزار باشا هيكافئكم علي كل ضربة هتصيب رشوان وهما هيتكفلوا بالباقي
ثم اغلق معه.. زفر قليلًا يفكر بعمق كان يريد ان يفعل ذلك منذ زمن، لكن وعده لراجي وبينار أن يبتعد عن طريقه هو ما كان يكتفه، لكن الأن.. لا مجال لـ الصمت والهدوء.. يجب ان يفي بوعده لنازلي الذي وعدها بالحماية، الوعد الذي سيجلب له الأرتيـاح في إنهاء حياة رشوان الذي كان له يد ولو من بعيد في موت ابيـه الغالي او بمعني أدق.. قتله
لحظات وجاءه اتصال، رد علي فوره:-
_ساعة علشان تردي؟ خلاص.. خلاص مش عايز شرح، عجلي شوية في التنفيذ.. انهاردة تختفي
رددت بترقب:-
_انهاردة! مش استعجال دا؟ انا لسة مضمنتش قوة مشاعره ليا و..
قال بهدوء:-
_لا متقلقيش، انا ضمنت، اللي زي زياد دا بشخصيته الضعيفة.. الرقيقة دي اي حاجة بتأثر فيه
اؤمات بتفهم وكأنه يراها، بالفعل هو شخصية مهزوزة قليلًا وان حاول اخفاء ذلك، اي مشاعر حب تمنح له يتشبث بصاحبها بقوة.. ويتعلق به لدرجة انه يكاد لا يري في حياته سـواه
اغلق معها ونظر الي تلك الغافية.. بأسـف:-
_أسـف.. قولتلك مش هقربله بس مينفعش، لازم يشيل معاه شوية من غلطاته طالما شايل اسمه يانازلي
*****
كان يتناول افطاره بعجلة من امره، يريد انهاءه ليذهب لسلمي فهو علي موعد لـ الخروج معها اليوم.. سلمي التي تقوت علاقته بها حتي بات لا يري غيرها خاصةً مع اخبارها اياه ايضًا بحبها له، ذلك الخبر الذي جعله ليوم كامل لا يستطيع اليوم حينها، قطع عليه افكاره رنين هاتفه، ضغط علي زر الفتح فاتاه صوت صراخها:-
_زياد الحقني.. زياد.. اهااا
واستمع لاصوات رجال كثيرة وخبطات اكثر وصراخ افزع، قبل ان يغلق الخط وينتفض هو راكضًا نحو الخارج.. غير سامعًا لـ الاتصـالات المتكررة علي هاتفه الاخر من والده ودياب..
فهو له هاتفين.. واحد يحادث منه رشوان والبقية والعمل، واخر خاص.. عليه الارقام المميزة التي يحبها ويحب اصحابها ك اشخاص تعرف عليهم سـرًا دون معرفة والده مثلًا!
وصل لـ بداية الشارع الذي فيه الشالية الخاص بها، وجد رجلين ملثمين يحملونها ويدخلون بها الي سيارة ما سوداء فخمة.. اقترب منها صارخًا فيهم ان يتركونها
لكن محاولاته لم تأتي برجوها، بل نزل فيه احدهم ضربًا حتي وقع ارضًا بجوار السيارة التي سكنت فيها، مـد يده حتي لامـس اصابعها التي بالكاد طالها.. هتفت باكية:-
_هيجوزوني غصب يازياد
وعندما سمع كلماتها حاول ان ينهض زائرًا بغضب و هناك دمع مكتـوم بعينيه، الا ان الحقنة التي تحقن بها.. منعته من ذلك، فسقط علي الارض مرة اخري وقد بدأت عيناه تنغلق رويدًا.. رويدًا وهو يري السيارة تبعد بها.. مرددًا اسمها قبل ان يغفو نهائيًا:-
_سلمـي!!
*****
مـرت ساعات الصباح سريعًا وها قد اتـت الظهيرة، تلملمت نازلي في نومتها، لحظات حتي فتحت عيناها، نظرت حولها بتشوش قليلًا قبل ان تستوعب انها في غرفتها.. نعم غرفتها التي ولدت وعاشت فيها معظم سنين عمرها.. بمنزل رشوان البـاذ!!!!
اترك رد